الأحد، 3 يونيو 2012

ماذا لو إتخذ الإسلاميون الفاروق نمودجا لهم في الحكم العادل؟

في هذا البحث لن نتطرق لسيرة الخليفة عمر بن الخطاب الذاتية لكن سنأخذ منها تجربته الفريدة في الحكم وكيف حكم بين رعيته وماهي القوانين التي سنها فكانت مثالا للعدل والإنصاف ويكفينا من سيرته العطرة مقالة لإبن مسعود رضي الله عنه وهو يرثيه قبيل إستشهاده حيث قال : كان إسلامه فتحا وكانت هجرته نصرا وكانت إمامته رحمة..

قبل أن يتقلد سدة الحكم أول ما بدئ به حكمه بأهل بيته وأعتبرهم القدوة لغيرهم فالناس ينظرون لأهل بيت الأمير نظرة الأسوة فقد إعتبر القربى منه ليست مغنم بل محاسبة فلو وقع أهله فيما نهى الرعية لضاعف لهم العقوبة كون منزلتهم من منزلته.. قمة في العدل.. ذكرنا بمقالة النبي صلى الله عليه وسلم حين أراد أحدهم أن يشفع لإمرأة شريفة أصابت حدا فقال لهم : لو أن فاطمة الزهراء سرقت لقطعن يدها
ونهاهم أم يكونوا كمن سبقهم لو سرق فيهم الضعيف قطعوا يده ولو أصابها شريف لم يقيموا عليه الحد فضاع العدل بينهم..

كان أمير المؤمنين إذا سن قانونا وإتضح له أن الخير في غيره عدّل فيه ولنا مثال على ذلك كان يفرض على كل مفطوم من بيت مال المسلمين فأجتهدت كثير من الأمهات أن يفطمن أطفالهن قبل السن المعقول حتى يحضين بهذا الفرض فعدل الأمير من القانون حين علم أن ضررا سيلحق بالأطفال فسن غيره وفرض لكل طفل مولود في الإسلام حقه..
كان الحارس الأمين للأمة لا ينام حتى تنام ولا يشبع حتى تشبع رعيته لا يعتمد على الآخرين بل يزاول عمله بنفسه حتى يتأكد من كل صغيرة أو وكبيرة ..
كان يختار ولاة أمر المسلمين بحرص شديد ويختار الرجل المناسب للمكان المناسب بلغتنا اليوم لا للأنتماء بل للكفاءة لا للمحسوبية والعائلة وإلى ماهنالك بل نزاهة وشفافية وكفاءة
فالمسؤولية عنده تكليف وليست تشريف وأي تجاوز من ولاته يقدّر أنه هو من سيتحمل وزره..

يحرم من يطلب الولاية ففي نظرة من طلبها لم يقدر تبعاتها ولا مسؤولياتها وقد لا يعان عليها ولو قدّروها وقدرّوا ثقلها لما طلبوها أصلا ..لكن قد يتسائل اليوم البعض إن هو لم يطلبها فقد تسند لغير أهلهاوقد طلبها يوسف الصديق هنا نقول يوسف عليها السلام كان يعلم حجم المسؤولية وكان يطلب مغرما لا مغنما فالدولة كانت تعيش أزمات كبيرة فقد طلبها لحتى يخرج الدولة من أزماتها..
عند إختياره لولاته يردد على مسامعهم:إنني لم أستعملك على دماء المسلمين ولا على أعراضهم ولكني إستعملتك لتقيم فيهم الصلاة وتقسم بينهم وتحكم فيهم بالعدل
سن قانو فريد في تكوين الولاة
-لاتركب دابة مطهمة: يعني فارهة
-لا تلبس ثوبا رقيقا..يعني رفاهية زائدة
لا تأكل طعاما رافها
-لا تغلق بابك دون حوائج الناس
ما أعظمها من قوانين لحتى يكون الوالي خادما للرعية وليس سيدا عليهم وحتى تنتفي الإمتيازات ويكونون في منزلة الرعية ويكونون القدوة وحتى يمحى الظلم فهو يريد لهم أن يظهروا مكنون نفوسهم لا مظاهر زائفة..
كانت له مواصفات رائعة لأختيار الولاة فيركز على الأخلاق والتواضع ويكون الأفضلية بين الناس للتقوى والعمل الصالح لا بالمنصب كوالي.

إذا بلغه شيئ من والي شكوى أو مظلمة لا يتسرع في العقوبة والعزل بل حتى يتحقق ويتقصى الأمر بنفسه مخافة أن يظلمه فما أكثر وساوس الناس اليوم وما أكثر أقاويل الباطل فيعزل النزيه ويتولى الظالم أما عمر كان غير متسرع في الحكم بل يتريت حتى يعلم الخبر اليقين..

عندما يرى غنى باديا على أحد ولاته يستدعيه لسؤاله الوجيه: من أين لك هذا ؟؟وما ضيع الولاة اليوم إلا عدم مسائلتهم فيزداد الغني غنى ويزداد الفقير فقرا..
كان يحرص على أن يكون قائد جند المسلمين مؤمنا صالحا وما إن يقف على قائد غير كفؤ إلا ويعزله ويضع مكانه الكفؤ لأنه يدرك أن النصر لا يأتي على يد قائد يجترح السيئات واليوم نقول لماذا لم ننتصر وهل قياداتنا في الجيش أهلا لتك المناصب؟..
لا يفلت ولي من العقاب إن هو ثبتت عليه المخالفة فلن يرحمه منصبه الكل تحت القانون ..

كان لا يقبل هدية من الولاة لأن فيها شبهة مغلظة فقد تكون الهدية من العامة بحسن نية لكن الهدية من الوالي قد تفهم على أنها رشوة ..أما زامننا هذا يكثر فيه الهدايا والتملق وما إلى ذلك..
وهنا تذكرت أن أحد الحكام العرب أهدى لرئيس أمريكا هدية ثمينة وماكان من الآخر إلا أن أهدى له صورة تضم الرئيس الأمريكي وزوجته
لا أعلم هل فهم الزعيم العربي المغزى والقصد أم لا وإحتفظ بهدية الحاكم العربي في خزينة الدولة ولم يتصر فيها..

نأتي الآن لمجال الزراعة لكي نرى العجب العجاب في سياسة محنكة ودراية فائقة وعقلية قل نظيرها :
فقد قاوم فكرة أن توزع أرض السواد على الفاتحين أولا فقد يخلق ذلك طبقة محتكرة وثانيا لعدم الخبرة لديهم فيترك الأرض لأصحابها فهم لهم الخبرة في ذلك ويكتفي بضرائب تدفع لبيت مال المسلمين فينال كل مسلم حقه فيها ..
يشجع إحياء الأرض الميتة فحين يرى أن البعض وضع يده على أرض لكن لم يحييها ولم يهتم بها يعطيه مهلة وبعدها تأخذ منه إن لم يحييها وتوضع في أياد أمينة حتى يهتم بها..
يحث الناس على التجارة الشريفة يعتني بالماشية والثروة الحيوانية فيهتم بالمراعي بل ويتعهدها بنفسه حتى تكون الأمورة في أحسن حال فيحمي الأرض والنسل وحتى البهائم نالها الإهتمام في عهد الفاروق .
فقد حرص عمر على تنمية ثروة المسلمين دون جشع أو إرقاهم كانت الثروة في خدمة الناس وليس الإنسان في خدمة الثروة.
فكان يغضب من والي ضيق على أهل ولايته لكي يرفع خراجا كبيرا يكسب به رضى أمير المؤمنين بل الأولى أن يشبع أهل الولاية وعند الكفاية تحول الباقي لعاصمة الدولة ..

كان يعفى من الضريبة كل من كان عليه دين من أهل الكتاب فهي ضريبة دخل وليست ضريبة إذلال وإن عجز عنها رفعت عنه فلا يأديها..قمة في العدل..
ورغم كل ما وصلت له الدولة في عهده من إزدهار بقي هو على حاله لم يتغير لا بمنصب أو جاه فقد أدى المسؤولية على خير وجه فلم يظلم عنده أحد وازن بين اللين والشدة وكل في مكانه الذي إستحقه فعمر لم يكن نبيا ولا ملاكا كان بشرا مثلنا وممكن أن تكون تجربته في الحكم قدوة لنا وتعاد تجربته في زماننا الحالي ..حتى ننعم بالعدل والخير فقد كان حجة على أي حاكم سيأتي بعده ولن يعذر الله حاكما مستبدا ظالما مادام لنا نمودجا فريدا فقد مارس الحكم في أعلى مستوياته فياريت من يتولى أو من سيتولى الحكم من الإسلاميين أن يجعلوا إمارة عمر لهم الأسوة والقدوة فلا عذر لهم عند الله إن هم فرطوا في حقوق الرعية ..





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق