الخميس، 14 يونيو 2012

إلى أيّ مدى غيّرت الثورات العربية الشارع العربي وخاصة قواه الحيّة ؟؟



إلى أي مدى غيّرت الثورات العربية الشارع العربي وخاصة قواه الحيّة ؟؟


الشباب طاقة المجتمع وركيزته الأولى التي يقوم عليها ، يمتاز بفاعلية وحركية خاصة إذا كان شبابا منفتحا على واقعه ومدركا له ، وقد عمد الإستبداد لعقود لتهميشم وقتل روح الإبداع في نفسه ، وزرع اليأس فيه وأشغله بالأزمات ، وفتح أمامه كل قنوات الغزو حتى ينساق إليها ويسقط في شباكها ويتخبط في سلوكيات منحرفة ، كي تبعده عن همومه الحقيقة ودوره الفعال في قيادة وطنه وتغيير حاله ، خلق في نفوسهم الإحباط والعجز والقهر وأهدر طاقاته وأقصاه وعطّل قدراته وقتل كل إرادة وعزم فيه ..

وعندما لاحت رياح التغيير عاد الشباب لدوره الحقيقي وتنفس عبير الحرية غذاء الروح ، فأنطلق إلى العالم الفسيح ينشد الحرية ، والعدالة ، والكرامة ، ويسعى لنهضة وطنه وكسْر قيود الإقصاء ، فعندما لا نفتح للشباب أبوابا سهلة ليبرِز طاقاته ويوظفها في بناء وطنه ، حتما سيطرق أبوابا صعبة حتى يعبّر عن مكنون نفسه ، فالثورة غيّرت شعوبا ألفت الخنوع وركنت للإستبداد فسقلت معدنهم وأبانت عن جيل أهلً للريادة يستثمر جهده وطاقته ووعيه لإعادة كتابة التاريخ بمداد من فخر وعزة ، جيل لا مكان لليأس فيه أو الكسل أو العجز أو الخمول ، دائم الحركة أصبحت كلماته لها معنى وتلقى آذانا صاغية وتلقى تجاوبا من محيطه ،

جيل نفض عن كاهليه الخوف ، وواجه آلة القمع بثبات وإصرار أبان عن خطاب جديد لم يعهده الكلّ من قبل ، كان يُخطّط لهذا الشباب أن ينغمس في همومه ويبدّر وقته ، إذ به يستثمر طاقاته وتقنيات عصره ويغيّر بها واقعه وفكره ، بل ويبدى آراءه دون خوف أو وجل جُرأة مع إحساس بالمسؤولية ، ينشد الشراكة وينبذ القمع والتهميش ، لغة جديدة نطق بها عقله وتشربتها روحه ..

شكّلت الثورة منه قوة تغيير وفَتحت القنوات أسماعها له ، شباب طموح لا حدود لعطاءه المتجدد ، ضحى بروحه حتى يرى وطنه فجر الحرية ، يرجو أن تفتح أمامه كل المجالات حتى يفجّر مكنون طاقاته وإبداعاته ، أحبط خطط الإستبداد التي كان يريد أن يشُل فكره أو يجمد عقله ، صحيح مرّ بسنين سبات ما لبث أن إستيقظ منها وإستجمع قواه وأطلق العنان لطاقاته المكبّلة وفكّ قيد عقله ، سطّر أهدفا لثورته وأدخر كل جهده لها ، ولن يحيد عنها حتى يراها وقد رأت النور ..

كان من قبل طموحه مدود تفكيره سطحي ، أما اليوم يفكّر بعمق أعاد ترتيب أولوياته وأدرك دوره وسَيعيد صياغة تاريخه ، وحين تستقر الأوضاع إن شاء الله سنرى جيلا واع عرف حريته متى تبدأ ومتى تنتهي ، علم أن الخوف قاهر الهمم وقاتِل للعزيمة ، علم أن دوره كبير وأن زمن الركود قد ولّى ، عقول وكفاءات غادرت الوطن ليبقى آخرون يتجرعون الذل والتهميش لكنها كانت غشاة وإنزاحت ، ثورة أبانت عن خامات ومعادن ثمينة لو وُظفت في موقعها لرأينا نهضة شاملة ، شباب ينشد المشاركة في القرارات وينبذ الإستئثار بها فهو منارة وطنه ..

ثورة كسّرت حاجز الإقصاء وأكسبته ثقة في الخلاص وفي التغيير ، تخلّى عن أفكار الماضي التي علقت بذهنه وخلقت فيه النكوص والخوف ، وترسبت فيه لعقود زكّتها ثقافة شعبية تكرّس الضعف والهوان ، فبعد الثورات المباركة تلتها ثورة على النفس ، وثورة فكرية ، غَسلت الأفكار البالية وتغيّر الخطاب وكنس كل سلبياته وتحدى كل العقبات والمتاريس بحزم وإصرار ، إرتقى بفكره وصحح مفاهيمه ، ومحى ثقافة بائسة كبّلته وحلت مكانها ثقافة غابت عن شارعه لعقود ، حتى المصطلحات التي أطالت أمد الإستبداد غيّرها ، لا لإنتكاسات الماضي الكل إندثر والكل رحل حين رحل الإستبداد إلى غير رجعة إن شاء الله ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق