الأحد، 17 يونيو 2012

في ذكرى الإسراء والمعراج ...الدروس والعبر

تحتفل الأمة لإسلامية والعربية بذكرى معجزة الإسراء والعراج ، رحلة من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى المبارك ، هي محطة هامة نتذكر فصولها ومجرياتها ، ونحيط بعبرها ودروسها ، كانت الدعوة تمر بمراحل صعبة وعصيبة بلغ عناد قريش والتصدي للنبي وإخوانه حدا مؤلما ، كان النبي فيما قبل يحضى بحمى عمه يواسيه ويحميه ويصد عنه أذى قريش ويدفع عنه شرهم وكيدهم ، شاءت الإقدار أن يرحل هو والسيدة خديجة في عام واحد مما أفقده الدعم والحنان والحمى الآمن ..
فهم كانوا دعامته وخاصة زوجته خديجة رضي الله عنها من كابدت كل المشاق وحمت الدعوة بمالها ووقتها ، آوته وحملت معه أعباء تبليغ الرسالة وساندته وقوّت ظهره ، فقد خلّف موتهما أثرا بليغا في نفسه وأوجع قلبه ، بعد هذا المصاب الجلل نالت قريش منه وتجرّأت عليه وشنوها حربا ضروساعليه ونكلوا به ، فخرج عله يلقى آذانا صاغية في غيرها من البلاد أو ركنا يحتمي به ، فأتجه نحو الطائف عله يجد الملاذ الآمن لدعوته ، للأسف هؤلاء كانوا أشد قساوة من قريش أدموا قلبه قبل أن يدموا جسده الطاهر سلطوا سفهاءهم وأغروهم فقذفوه بالحجارة ..
فلهج لسانه الطاهر بهذا الدعاء :
(( اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي, وقلة حيلتي , وهواني على الناس , أنت ارحم الراحمين , ورب المستضعفين , وأنت ربي , إلى من تكلني ؟ إلى قريب يتجهمني , او إلى عدو ملكته أمري , إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي , غير أن عافيتك هي أوسع لي , أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات , وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة , أن ينزل بي غضبك , أو يحل بي سخطك , لك العتبى حتى ترضى , ولا حول ولاقوة إلا بك ))
لم يدعو عليهم بالهلاك ، بل قابل شرهم بالدعوة لهم حيث قال لجبريل حين سمع الله شكواه وأرسله كي يطْبق عليهم الأخشبين، قال نبي الرحمة : أرجو أن يأتي من أصلابهم قوم يعبدون الله
وهذا درس بليغ لكل مستضعفي الأرض مهما بلغ الطغيان وأُغلقت الأبواب فباب الأمل مفتوح ، فالله واساه وشد أزره وكأنه قال له : إن جفاك أهل الأرض وتخلوا عنك وأعرضوا عنك ، فأهل السماء في شوق لك ، مكانتك محفوظة ومقامك عال ، فهو درس لنا أن الفرج مع الصبر وأن مع العسر يسرا ، وأن لا يأس ولا قنوط ولا حزن مع من كان على الحق فالله ناصره وأن الفجر قادم مهما طال ظلام الليل..
وأن الله يدافع عن المؤمنين ويدعمهم ولن يخذلهم ولن يسْلمهم لأعداءهم ، وأن أهل الدعوة في مَؤمن من أعداءهم وأن الله سيدافع عنهم ويشد من عضدهم ..فهذه إحدى العبر من الرحلة
ومن معاني الرحلة أيضا قيمة المسجد الأقصى في نفوس المسلمين ، إمامة المصطفى بالأنبياء إشارة أن القيادة آلت إليهم ، وهي بيعة من الأنبياء له عند إمامته بهم ، وتحملوا واجب الحماية وثقل الأمانة على عاتقهم في نصرة الأقصى وتحريره ، وأن الإسلام دين عالمي وأن منبع الرسالات واحد الله عز وجل ، والكل جاء لتوحيد الباري ، وأن الصلاة عماد الدين ففي هذه الليلة فرضت وتكمن أهميتها كونها فرضت في السماء ، فهذا يدعوننا للمحافظة عليها وتدريب أبناءنا عليها منذ الصغر ، وأن النبي بلغ منزلة لم يبلغها نبي قبله ولا بعده ..
والسر المكنون وراء الرحلة من المسجد الحرام إلى الأقصى هي في قيمة الأقصى ومكانته وإرتباطة الوثيق بينه وبين المسجد الحرام وحتى نسلط الضوء على الأقصى ويبقى حاضرا في أذهاننا ونجتهد لحمايته والذود عنه ، وأن ننظر لمنزلته التي أكرمه الله بها ، فهو بوابة السماء ومهبط الأنبياء ، وأن المسجد الأقصى مرتبط بعقيدتنا فهو تكريم وتشريف له ، لذلك من واجبنا أن نحفظ مكانته وأن نسعى لتحريره من وطأة الإحتلال ، وأن تكون لنا همة في نصرته ونصرة المرابطين فيه ، والتخفيف من معاناتهم فالمدينة المقدسة تشهد تهويدا لا مثيل له في التاريخ ، فهم ماضون في سياسة لفرض الأمر الواقع ، والأقصى في حاجة ماسة لترميم وحصانة وصيانة وحماية ،..
فاليوم نتذكره وإن لم ننساه أبدا فحبه محفور في وجداننا وقلوبنا وله أعيننا وأفئدتنا مشدودة ، وله نحشد الهمم لخلاصه إن شاء الله ، فالرحلة تعد رباطا وثيقا بين المسجدين ، وأرض مباركة وتضم الفئة المرابطة المنصورة بإذن الله ..
قال صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء، حتى يأتيهم أمر الله. وهم كذلك"، قالوا: يا رسول الله وأين هم؟ قال: "ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس" أخرجه أيضا الطبراني ..
فالعبرة من رحلة الإسراء والمعراج أن الفرج قريب وأن الله سيمنّ على عباده بالنصر والتمكين وأن الوحدة تخلق النصر ، وأن الحق سيعلو رغم قلة ناصريه ، وأن الباطل سيسحق مهما كثر مؤيدوه ولن يتحول لحق أبدا ًمهما قوِي ومهما أرصد له من دعم ، لأن الحق محفوف بعناية المولى ومحفوظ ومدعوم منه عز وجل ..




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق