الأحد، 8 يوليو 2012

وأخيرا إنتهت رحلة الفراق والعذاب .. بقلمي ..





هي قصة مؤثرة تحكي فصولها طفلة لم يتجاوز سنها الرابعة عشر ربيعا ، وهي قصة ليست الوحيدة من نوعها، وليست الأولى وقد لا تكون الآخرة في زمن عز فيه الحق وأهله ، بل هناك مثيلاتها وقد تكون هناك قصصا أكثر ألما ووجعا من هاته القصة التي سنرويها وهي تحكي رحلة عذاب طوتها طفلة وآن لها أن تنعم بالحنان والأنس والحب في كنف أباها المعتقل سابقا ، هي قصة جسدت صمود طفلة وصبرها وهي التي لم تحضى بضمة أو قبلة من أباها الذي رحل عنها مرغما وليس طوعا وهي جنين في أحشاء أمها ..

كانت زياراتها لأبيها في المعتقل ترسم على ملامحها أسئلة كثيرة إستوعب عقلها الصغير البعض من إجابات أمها ولم تستوعب الكثير ، عند الزيارة تزيد لوعة الشوق تريد أن تلمس يداها يداه أو تحضنه أو تُسِر له بكلمات حفظتها عن أمها أو تبوح له بما يختلجه صدرها الصغير الذي عانى ألم الفراق ، كلما كبرت كلما إزدادت أسئلتها لأمها : لماذا أسر أبي ؟ لمذا أُحرم من طلته ؟؟ لماذا عزائي أن أراه في الصورة ، أو أحضى به في أحلامي ، يمسح دمعتي ويواسيني ، وحتى وإن رأيته تفصلني بيني وبينه أسلاك من حديد حفرت في قلبي آلام البعد والقهر..

كلما إقترب موعد الزيارة كلما إرتفعت حرارتها حتى يُخيل لأمها أنها مريضة ورغم ذلك تجدها تتعالى عن آلامها هي إذن لوعة الشوق لرأية الأب الغالي كم هو قليل الوقت التي تحضى به معه ، لكن على قلته تجد عزاءها فيه ، كل مرة تحدث نفسها كيف ستلقاه ؟؟ وماذا ستقول له حين تراه ؟؟
لكن ما إن تراه حتى يغلبها الدمع وتنسى كل ما أعدته لتلك اللحظة القاسية ، ولا تبقى في شفتيها إلاكلمة ترددها : بابا بابا إشتقت إليك متى تعود طال غيابك وأحيانا تتكلم العيون دمعا في صمت و تُحبس الكلمات ولا تجد لها منفذا للتعبر عن ما يختلج قلب هاته الصغيرة ويعبر عن ألآم الفراق ، موقف يهز الجبال ..

وفي أحد الأيام بلغ الأسرة الكريمة أن هناك صفقة تحمل إسم صفقة الأحرار ، سيتحرر بموجبها أكثر من ألف أسير ، وتشمل عددا مهما ممن يحملون أحكام مؤبدات ، وقد تشمل أبا فاطمة ، غمرتها الفرحة ولم تصدق النبئ، ومن يومها لم يهدأ لها بال تتابع الأخبار علها تجد ما يفرحها ، مشاعر فرح وخوف معا إنتابت فاطمة ، هل ممكن أن يعود أبي وتعود الفرحة لتكسو بيتنا ، لكنها تخاف أن تفرح ولا يتحقق مناه في عودة أباها ، فينتابها الإحباط ساعات كانت هي ألأطول في حياتها ..

تحدث نفسها كيف سيكون العيد وبابا معانا ، سلفا كان العيد لا معنى له في ظل بعد الأب ، لم تحس أصلا بطعم العيد ، في يوم العيد يكتنفها الحزن والحسرة والألم ، تتطلع للشارع عبر نافدة صغيرة وهي تنظر للأطفال في مثل سنها ، يرفلون في فرحة وحبور ماضون لصلاة العيد برفقة آباءهم يلبسون ملابس العيد ذات الألوان الزاهية تكسو البسمة محياهم وعلامات الرضى بادية عليهم ترسم البهجة على شغاف روحهم ، وهي تجفف دمعها وتبكي مرارة الفراق ، لتجد صدر أمها الحنون تمسح حزنها فيه وتكفكف دمعها ..

هي الزوجة الكريمة الصابرة التي ضحت بسنين عمرها وهي تربي فاطمة وتحدثها عن بطولة أبيها وشهامته ، الأم هي أيضا تشتد عليه الأزمات لكن أمام طفلتها تتعالى على كل شيئ حتى تخفف من وجع فاطمة ، سألت أمها من جديد : لماذا أسر أبي ؟؟ تسأل فاطمة عن أبيها كلما إشتاقت له ودائما تكرر نفس السؤال رغم أنها تعرف الجواب ، لكنها طفلة أثقل الحزن كاهليها وألم البعد هدها ، تجيبها الأم الكريمة : لأنه أبى الركوع في زمن الخنوع ، دافع عن ثرى وطنه الطيب ، سافر بعيدا عنا ليحيا الوطن عزيزا كريما ..

لكن فراغا قاتلا تركه خلفه ورحل في رحلة العذاب ، بعد هنيهة جائت الأخبار تطير على جناح السرعة لقد شملت الصفقة أباها الكريم لم تصدق فاطمة الخبر وأخدت من جديد تتسائل بين نفسها كيف ستكون لحظات اللقاء ؟؟ وقد مضى على أسر الوالد سنين ، جائتها الأجوبة تترا ، فقد جائت اللحظة التي إنتظرتها فاطمة وما أقصى الإنتظار زُفت الأخبار التحرير وعلت الرايات والتكبيرات وعمت الأفراح كل بيت ، سعادة لا توصف هي لحظات إذن يعجز القلم عن التعبير عنها ..

في اليوم الموعود زينت فاطمة البيت بالزهور والشموع وعلت زغاريد الأهل والأحباب والجيران ، ما أصعب ساعات الإنتظار وما أطولها وبعد وقت ليس بالقصير هلّ وجه الأب الحنون بطلته الزاهية ، عانقته فاطمة وألجمتها الفرحة وأطلقت العنان لدموعها لتحكي فصول معاناة دامت سنوات وقفت الكلمات بل وقف الزمن ليرسم لوحة طاهرة من حب وحنان تجمع أب بطفلته ، كانت العَبرات هي التي تتكلم وكانت النظرات رسائل حنان وعطف أبوي حرمت منه لاكثر من عقد ..

ظلت فاطمة تردد كلمة بابا بابا كل حين ووقت ، سجد الأب الكريم سجدة شكر أن أمد الله في عمره حتى لقي الزوجة الصابرة والطفلة البارة والأهل والأحباب ، لم تبرح فاطمة جانبه ، ساعة تُلقي عليه نظراتها بعفوية الطفولة ، وتتفرس ملامحه وساعة تتطلع له ، تقبل جبينه الطاهر ، تبتسم فرحا وطربا لهاته اللحظة التي إنتظرتها طويلا ، وساعة تحكي له عن آلام البعد عنه ، كانت طفلة أكبر من عمرها ربتها أمها على القيم وغرست في قلبها حب الوطن وحب الإنتماء للوطن ، البيت يزهو بأحبابه وعادت البسمة له بد طول غياب تهللت الوجوه بالطلعة البهية ، نسي كل ما مر به وهو يعيش لحظة اللقاء ، لحظة دفئ وحنان حرم منها لسنوات ، اليوم حقا عاد وللمقاومة جهز نفسه ولها من جديد رخص روحه نماذج قل نظيرها في عالم مختلف ، عرف دربه وله وطن روحه ولن يحيد عنه مهما كان ..
تحية إكبار لكل المحررين ونسأل الله لهم الثبات والصمود وأن يبدل آلامهم آمال وأن يجزيهم خيرا على ما بذلوه من راحتهم وروحهم حتى يحيا الوطن كريما ..


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق