الاثنين، 9 يوليو 2012

المرء بأصغريه لسانه وقلبه ..



كانت العرب في الجاهلية وحتى قبل مجيئ الإسلام تربي أبناءها على النخوة والحمية وفصاحة اللسان والشهامة منذ حداثة سنه ، حتى تضحى خلقا لصيقا به ، وحتى يتدرب عليها منذ الصغر ، بل كان من الضروري أن يُرسل الإبن للبادية حتى تتشرب روحه صفاتهم ، ويتنفس هواءها النقي ، ويشتد عوده ويتدرب على البطولات والتحدي ، ولا يترهل ولا يعتاد على رغد العيش فلا يقوى على مجابهة الصعاب ، بل وحين يواجه العراقيل تخور قواه ،...

وفي صدر الأسلام كان للغلمان وجود بارز وبصمة مهمة في المجتمع ، يتنافسون على الخير ، يُجالسون عِلية القوم ينهلون منهم كنوز العلم والمعرفة ، ويتعلمون فنون الشعر وفنون القتال ، فامتازوا برجاحة العقل ونضج ووعي كبيرين ، وكان القرآن حافزا لهم ، فماجاء ذكر الفتية إلا قورنوا بالأخلاق والوعي العالي..
قال تعالى : ( قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ ) سورة الأنبياء.
رغم حداثة سنه إعتزل آلهتهم وتأفف منها وهجرها وكان يُبغضها ويُعاديها بل وحطمها ..
وقال أيضا : (...إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى .. ) الكهف
فتية آمنوا برهم وفَروا من قومه حتى لا يفتنونهم في دينهم ، كانوا من عِليه القوم ، تلاقت روحهم على رسالة واحدة الإيمان بالله ، توحدت قلوبهم لم يكونوا فقراء بل أغنياء وعندما عرفوا الحق وتشربته قلوبهم خافوا على دينهم من قومهم فقد كانوا ذا مراس كبير ، هجروا الترف وحياة الغنى ليضمهم كهف بسيط لكنه يحميهم من بطش أهليهم ، فآووا إليه ليكونوا فيما بعد أية من آيات الله تشهد بحقيقة البعث ..

والقصص في هذا الشأن كثيرة واليوم حين قللنا شأنهم حُرمنا عقلهم ، وحُرمنا أفكارهم ، فلكل جيل موارد بين يديه ، إن هو تلقى تربية صالحة منذ الصغر برزت بصماتها في الكبر ، والتعلم في الصغر كالنقش على الحجر ، تظل راسحة مدى الزمن ، فالشباب أمل مستقبل الأمة وحين أهملت الأسرة وظيفتها في رعاية النشئ ، وغابت القدوة الصالحة حل الهوان ، وعظت المصائب ولا ننسى قول النبي عليه الصلاة والسلام : نصرني الشباب وخذلني الشيوخ

فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيتهم ، وأعلم أنك إذا زرعت وَردا أكيد ستحصد شدى فواح وإن أنت زرعت حنظل فلن ينالك منه إلا السدر والشوك ، أولادنا كالشجرة إن أنت تعهدتها بالسقي وأخترت لها السماد القوي والنقي ، وحميتها من الحشرات وقوّمت أغصانها ستقطف ثمارا وتتفيئ ظلالها أي نتاجها هو الولد الصالح ، وحين تُقصر في حقها وتهملها فستكبر الأغصان معوجة أكلتها الحشرات ونخرها السوس ولن تعطيك لا ثمارا ولا أزهارا ..
ولنا في التاريخ قصصا رائعة لأخذ العبرة ، نضعها بين أيديكم لنرقى بتربية أولادنا حتى نبلغ بهم هذا المقام الذي بلغه هذا الصبي :

عندما تولى عمر بن عبدالعزيز الخلافة سنة 99 هجرية 717 ميلادية جاء إليه وفد من الحجاز لتهنئته بالخلافة وتقدم من بين القوم غلام صغير السن، فقال له أمير المؤمنين: تأخر يا غلام وليتقدم من هو أكبر منك سنا. قال الغلام: يا أمير المؤمنين لو كان الأمر بالسن لكان في مجلسك هذا من هو أحق منك بالخلافة، لكن اذا أعطى الله الانسان قلباً مؤمنا وعقلا وفكرا ولسانا يحسن النطق فقد استحق ان يتحدث عن قومه.

فأعجب الخليفة بمنطق الغلام وقال له صدقت، فتكلم أنت، فقال الغلام: يا أمير المؤمنين لقد قدمنا عليك لا رغبة منا ولارهبة منك، فنحن نعيش أيامك في أمان، نستظل بعدالتك، فنحن وفد للشكر والتهنئة. فسأل عمر عن سن الغلام فقالوا: "عشر سنين".

لقد تكلم فأجاد ووفى ما أحوجنا لهكذا نماذج حتى تكون قدوة لأبناءنا ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق